المادة    
يقول المصنف: [وكنت ترددت في الكلام على هذه المسألة لقلة ثمرتها وأنها قريب مما لا يعني و {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه}].
  1. ترك ما لا يعني والإقبال على ما يعني

    هذه قاعدة عظيمة في العلم، وهذا الحديث من جوامع الكلم، ومن القواعد العظمى التي عاشها السلف الصالح تطبيقاً واقعياً، فلا تجد في حياتهم ولا علمهم أي حشو بل كله لب وثمرات، وإنما الحشو والغثاء والنخالة فيمن بعدهم، وكلما جاء جيل كان حاله أسوأ مما قبله، والله المستعان.
    قال بعض السلف : (هذا الحديث فيه نصف العلم) لأن كل شيء في حياتك لن يخرج عن هذين القسمين: إما أن يعنيك، وإما ألا يعنيك، فلو عرفت حقيقة ما يعنيك وحرصت عليه وتعلمته، وعلمت ما لا يعنيك فتركته لسلم لك العمر كله، فأصبح علمك كله خيراً، ووقتك كله محفوظاً، وثق تماماً أنك إن أضعت شيئاً من وقتك في ما لا يعنيك، فإن ذلك نقص في النصف الذي يعنيك ولا محالة، ومن هنا يأتي كلام ابن مسعود : [[ما ابتدع قوم بدعة إلا أماتوا مثلها من السنة]] لأن هذا العمر والقلب إناء يمتلئ بالخير أو الشر؛ فإن امتلأ بشيء ثم أردت أن تضيف إليه شيئاً آخر فلابد من خروج السابق أو اختلاطه به، فالعاقل يملأ بما يعنيه ويكتفى بذلك، ولو أراد المرء أن يزيد عليه أو يضيف ما لا يعنيه لكان ذلك نقصاً فيما يعنيه، وتعطيلاً لما خلق من أجله، وهذه القاعدة العظيمة ذكرها الشيخ هنا. يقول: "وأنها قريب مما لا يعني {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه} كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أو حسن بشواهده.
  2. عدم التجرؤ على الفتوى

    قال: [والشيخ رحمه الله لم يتعرض إلى هذه المسألة بنفي ولا إثبات] يقصد الإمام الطحاوي [ولعله يكون قد ترك الكلام فيها قصداً] يريد أن تركه لها ليس مجرد نسيان، أو لأنها ليست مهمة فلم ترد على باله، فقد يكون تركها عامداً؛ [فإن الإمام أبا حنيفة رحمه الله] ونص المصنف على أبي حنيفة لأن الإمام الطحاوي حنفي المذهب، [وقف في الجواب عنها على ما ذكره في مآل الفتاوى]، وقد علق الشيخ شعيب على هذا بقوله -وهو عليم بمذهب الحنفية-: ( وهو الملتقط تأليف أبي القاسم محمد بن يوسف العلوي السمرقندي الحنفي عالم بالتفسير والحديث والفقه والوعظ، مات سنة (556هـ): هذا الكتاب هو من كتب المسائل والفتاوى في المذهب الحنفي.
    وقد نسب أصحاب أبي حنيفة الذين جمعوا مذهبه إليه أنه توقف عن الجواب في هذه المسألة، ولم يقطع فيها بجواب، وليست وحدها، يقول: [فإنه ذكر مسائل لم يقطع أبو حنيفة فيها بجواب، وعدّ منها التفضيل بين الملائكة والأنبياء].
    وهنا نقف وقفة -للعبرة والاتعاظ- أمام ورع السلف الصالح في هذا الباب. الإمام مالك قيل: إنه سئل في أربعين مسألة فأجاب في ست وثلاثين منها بـ: (لا أدري)، وهذا أبو حنيفة يذكر عنه هذا، ومسائل الإمام أحمد وكذلك الشافعي، وهي مدونة ومطبوعة بالأسانيد الصحيحة تجد فيها قولهم: (لا أدري)، (لا أعلم)، (لم يبلغنا شيء).
    فكانوا يتوقفون ويتحرزون من الفتيا بغير علم، وهؤلاء الأئمة الكبار والعلماء المقتدى بهم، المعتبرون عند الأمة جميعاً، المجمع على فضلهم وعلمهم، ولا يطعن فيهم إلا زنديق أو عدو للإسلام مجاهر.. يتوقفون في مسائل، وهذه المسائل -أو ما هو أشد منها وأدق وأشد غموضاً- لو عرضت على طويلب الآن لقطع فيها برأيه، ولأفتى ولم يتردد، وهذا دليل على أننا لا نتأدب بآداب أهل العلم، حتى وإن عرف الإنسان شيئاً فينطبق عليه ما قال الشاعر:
    وقل لمن يدعي بالعلم معرفة             حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء
    فينبغي أن نتأدب بآداب السلف الصالح رضوان الله عليهم في أمثال هذه الأمور، حتى لو سمعنا قولين مختلفين في الظاهر فلا نتسرع ونقول: هذا يخالف هذا؛ لأن عقولنا قاصرة، وربما كان أحدهما موافق للآخر لكن بعبارة أخرى، ومع هذا فقد ننقسم إلى فرقتين، وكل منا يؤيد قولاً ولا خلاف في الحقيقة، أو أننا أخطأنا في النقل أو الفهم، وهذا مما يدل على أننا قد نعتني بالفضول ونترك الأصول، وأننا لا نتأدب بآداب وأخلاق طلبة العلم.
  3. الشرع ما نص عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه السلف

    يقول: [هذا هو الحق] أي: أنها غير مهمة: [فإن الواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين وليس علينا أن نعتقد أي الفرقين أفضل] فالواجب المتعين المتحتم علينا هو الإيمان بالملائكة والنبيين لا الإيمان بأيهما أفضل. يقول: [فإن كان هذا من الواجب لبين لنا نصاً] وهذه من القواعد التي توضع في الاعتبار، فما هو من ضروريات الدين ومما ينبني عليه صلاح في العقيدة أو فساد فيها لابد أن يبين وليس لأحد أن يقول: من أصول الدين كذا، ومما يجب اعتقاده كذا، وهو لم يرد عن السلف، بل هذا يكون من البدع قطعاً؛ لأن الله قد أكمل لنا الدين، يقول: [وقد قال الله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ))[المائدة:3] ] فالمقصود: لو كان ذلك لبين لنا، وما لم يبين لنا نرده إلى أولي العلم الذين هم أعلم بالكتاب والسنة، فإن اتفقوا على حكمه فالحمد لله، وقد اتفق السلف على مسائل مما حدث، وإن اختلفوا فهذا من فضل الله علينا؛ لأن الاختلاف يجعلنا في سعة ويرفع عنا الحرج؛ إذ لو أجمع أهل السنة على أمر لما وسعنا إلا أن نتبعهم، كما لو أجمع السلف الصالح على أمر مما استجد وحدث لما جاز للقرون التي بعدهم إلا أن تتبعهم [وقد قال الله: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ))[المائدة:3] وقال تعالى أيضاً: ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا))[مريم:64] ].
  4. الكلام على حديث: (إن الله فرض فرائض...)

    استشهد الشارح فقال: [وفي الصحيح] وكان ينبغي له أن يقول: وفي الحديث الصحيح، فيكون ذلك تصحيحاً منه له، أو يكون واهماً أن الحديث في أحد الصحيحين وليس كذلك، بل هو متكلم فيه.
    قال: {إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء -رحمة بكم غير نسيان- فلا تسألوا عنها} قال الشيخ ناصر رحمه الله: (حسن لغيره، رواه الدارقطني وغيره، ثم تبينت أن الشواهد التي رفعته إلى الحسن ضعيفان جداً لا يصلحان للشهادة كما أوضحته في غاية المرام ) ولهذا ذكره في ضعيف الجامع الصغير، وقد ضعفه من رواية أبي ثعلبة التي أخرجها الدارقطني والحاكم والبيهقي، وهناك روايات أخرى عن أبي الدرداء وسلمان ذكرها الشيخ شعيب هنا، والذي أراه أنه لا غضاضة في أن نقول أنه حسن؛ لأمور منها:
    أولاً: أن معناه صحيح بلا شك، والأدلة واضحة على صحة معناه.
    ثانياً: أن لفظه مما يوحي أنه من كلام النبوة، وهذه من الأشياء التي تراعى؛ لأن أمثال هذه العبارات {وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان} لا ترد -والله أعلم- إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن عليها نور النبوة.
    ثالثاً: أن طرق الحديث موجودة عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه جمع من المحدثين: الدارقطني والحاكم والبيهقي والترمذي وابن ماجة وغيرهم، فالحديث إن شاء الله حسن أو صحيح، والشيخ ناصر حفظه الله طريقته كما في السلسلة الصحيحة أنه إذا اجتمع للحديث شاهدان أو ثلاثة فإنه يصححه أو يحسنه، وأحياناً لا يفعل ذلك.
    والمسألة تقديرية ولهذا قلنا: إن مما يرجح ذلك أن يكون المعنى صحيحاً تشهد له آيات وأحاديث صحيحة، وليس هناك وهن أو ضعف شديد في أحد رجاله، فضلاً عن أن يكون فيهم وضاع، وإنما يمكن لهذه الطرق أن يجبر بعضها بعضاً إن شاء الله تعالى، وعلى أية حال فالحديث هذا قاعدة عظيمة من قواعد فهم الكتاب والسنة والعمل بهما، فقوله: {إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها} هذا في باب المأمورات، {وحد حدوداً فلا تعتدوها} أي: ما وضعه الله من حدود فلا نتجاوز الحلال منها إلى الحرام، ولا نتجاوز إلى المكروه لمن أراد الورع.
    {وحرم أشياء فلا تنتهكوها} هذا في باب المنهيات والمحرمات، فلا يجوز لأحد أن ينتهك ما حرم الله، {وسكت عن أشياء} هناك أشياء سكت عنها رحمة منه بنا من غير نسيان لها ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا))[مريم:64] {فلا تسألوا عنها} وليس معنى هذا أننا لا نعرف أمور ديننا، ولكن المعنى أن لا ندقق ونوغل ونتعمق فيها بإطلاق؛ أو أن هذا خاص بزمن الوحي، وهذا النهي يبينه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله الرجل عن الحج: أفي كل عام؟ قال {لو قلت: نعم لوجبت...}، ومن هنا فسر قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ))[المائدة:101] على أحد فهمي العلماء: أنه في زمن الوحي، ولا مانع من الأخذ بالقولين، فقد يكون في زمن الوحي لوجود هذا الاحتمال، وهو أن تفرض علينا أشياء فيكون السبب والتبعة على من سأل؛ لأنه قد جر على الأمة كلها واجباً، والله إنما أراد لنا التخفيف، ولم ينقب الصحابة ولم يكثروا من السؤال كما فعلت الأمم من قبلنا -التي أكثرت من سؤال أنبيائها- وإلا لما كان ذلك التخفيف الملموس من ديننا، كما قال الشعبي : [[لو أن القرآن نزل على هؤلاء -يعني: في عصره عصر التابعين- لكان عامته (يسألونك)]] أي: لكنه نزل على قوم عقلاء، فقد كانت أسئلتهم قليلة؛ فكانت (يسألونك) في القرآن قليلة.
  5. ترك امتحان العوام بدقائق المسائل العلمية

    من رحمة الله أنه خفف عنا ولم تأت بعض الأحكام ملزمة لنا؛ لأنها إما أن تكون من باب ما فرض فتجب، أو من باب ما منع فتحرم، فما سكت عنه رحمة من غير نسيان فلا ندقق ونتعمق، ومن باب أولى يحرم أن نتجادل ونتهاجر ونتدابر، ونتقاطع فيه، ومن هنا جاء نهي السلف عن امتحان العامة من المسلمين بالمسائل الدقيقة العويصة؛ لأن ذلك من قبيل التنفير، وقد كتب بعض الأئمة كتاب الامتحان أنكر شيخ الإسلام رحمه الله جملته -وإلا فهناك مسائل صحيحة- في كتاب الإيمان وقال: لا يجوز امتحان المسلمين بالأمور الدقيقة والمسائل العميقة، فهذه إنما يسأل عنها العلماء، فأنت لو علمت عالماً محدثاً قرأ الأحاديث في الساق أو غير ذلك من الصفات فإنك تسأله إن كان ثمة مصلحة من السؤال، كأن يريد أن يعين إماماً أو قاضياً للمسلمين، وحتى لا يولى على المسلمين المبتدع فحينها يمكن أن يسأل عن الساق أو الصورة أو ما أشبه ذلك، لكن امتحان العامة بهذه الأمور لا يجوز ولا يصح، ثم كيف بك لو انقسموا، والعامة من الصعب إفهامهم، بخلاف مجادلة العلماء، فهي من أسهل ما يكون على من أعطاه الله علماً أن يناظر العلماء، ولذا ينقل عن الشافعي : (ناظرت عالماً فغلبته، وناظرني جاهل فغلبني) فالعوام لا يدركون معنى كون الحديث ضعيفاً أو صحيحاً، فهم في تصورهم أن كل حديث ينسب للرسول فهو صحيح؛ لذا نتحرز عن إثارة بعض الأمور بين العامة، فيجب ألا نلقي عليهم إلا الحق وما استنبط منه، ولا يمنعنا عن ذلك أن العوام يحبون الإسرائيليات والغرائب والمنامات والأحلام، لأنهم -وبعد فترة- سوف تصبح قاعدتهم: إن لم تأت لهم بدليل على كل شيء من حلم أو منام لا يقبلون منك، حتى لو قلت لهم: قال الله تعالى وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتأثرون، والإشكال يبدأ من العوام ومن الشباب الذين ألفوا مثل هذه الأمور حتى أصبح من أشق الأشياء عنده أن يسمع شريطاً لـابن باز أو ابن عثيمين في أي قضية من القضايا العلمية، ولكن يسمع ما شاء من الأناشيد والحكايات والقصص! فإذا كنا نحن طلبة العلم عندنا ما عند العوام من زهد في العلم واتبعنا مثل هذه الأمور إلى أين نصل؟ لاشك أن العلم فيه مشقة وهو كذلك لكن في كل العصور، العلماء دائماً قلة، وهم بالنسبة للعوام قليل جداً، وهم نخبة الأمة، أما إن أردت مجرد القصص فإن في العالم الإسلامي من حفظة الحكايات والقصص الكثير والكثير، وهو أمر مقطوع به، فمثلاً لو تحدثت في أي مجلس من المجالس عن شيء من الدين معلوم بالضرورة كتحريم الخمر أو المخدرات فإنك تجد الكثير ممن يوردون قصصاً واقعية تشهد لذلك، فهل نجعلها أساس التحريم؟! لا. وإنما غاية ما يقال: إنها من مطابقة الواقع للحق، ولا يقال: إن الحق قام على ذلك.
    أقصد بهذا أن مجاراة الناس مسألة لا تنتهي، لكن الشيء الذي لا يستطيع الناس أن يجاروا به، ولا أهل البدع أن يأتوا به؛ هو الحق والعلم من الكتاب والسنة، وإلى هذا يرد الناس جميعاً.
    يقول الشارح رحمه الله: [فالسكوت عن الكلام في هذه المسألة نفياً وإثباتاً -والحالة هذه- أولى] الأولى لنا أن نسكت، ثم قال: [ولا يقال: إن هذه المسألة نظير غيرها من المسائل المستنبطة من الكتاب والسنة] أي: أليس عندنا مسائل من الكتاب والسنة اختلفت الأقوال فيها، فما المانع أن تبحث هذه أيضاً ونرجح الأقوال فيها يقول: لا يقال ذلك [لأن الأدلة هنا متكافئة على ما أشير إليه إن شاء الله تعالى].
  6. تقدير الفاضل والمفضول من البشر أو الملائكة

    عاد فقال: [وحملني على بسط الكلام هنا: أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم: كان الملك خادماً للنبي، أو أن بعض الملائكة خدام بني آدم. يعنون الملائكة الموكلين بالبشر، ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع المجانبة للأدب].
    ثم قال: [والتفضيل إذا كان على وجه التنقص أو الحمية والعصبية للجنس] وهذه مسألة مهمة أفادنا فيها رحمه الله؛ وهي: معرفة قدر الملائكة بالنسبة لمن يرى أفضلية البشر عليهم؛ إذ الجهلاء من الناس وخاصة من أهل الأهواء يرون أنه ما دام مفضولاً فهو لا شيء، وهذا هو ما جعل الجهال يتنقصون مخالفي علي رضي الله عنه -وأكثرهم من عامة المسلمين- إنما كانوا يقولون: علي أفضل من أبي بكر وعمر، فكانت المسألة مقصورة على التفضيل، ووجد السبابة لهم في ذلك ثغرة، واشتد النزاع والجدال وأصبحوا يؤلفون الكتب في مناقب علي والطعن على أبي بكر وعمر وعثمان، ثم عم الشر وملأ الآفاق.. وهكذا فإن الأمر ابتدأ بأنه أفضل أو مفضول، ثم لما انتشر الهوى وطغى الجدال لم يقتصر الأمر على مجرد وصف من خالف علياً بأنه مفضول بل تعداه حتى صار المفضول محقراً أو مرذولاً مجحود الفضل، وهكذا بعض الجاهلين يسيئون الأدب مع الملائكة الكرام فيقولون: كان الملك خادماً للنبي، مثلاً: قيل لشاعر: لِمَ لَمْ تمدح الإمام الرضا؟! قال:
    قلت: لا أستطيع مدح إمام            كان جبريل خادماً لأبيه
    أي: لو كان حياً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكان مثل جبريل أو أرفع لأنه سيكون صحابياً لا خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من المبالغات ومن سوء الأدب مع الملائكة الكرام، يقول الله: ((إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ))[التكوير:21-22] قال بعض من يرى العكس كما قال شيخ الإسلام : (إن الله أثنى هنا على جبريل عليه السلام، أما محمد صلى الله عليه وسلم فمجرد أنه نفى عنه الجنون..).
    وبغض النظر عن هذا الخطأ الساقط فإن الله تعالى أثنى هنا على الملك بأنه رسول، وكريم، ومطاع، وأمين، وذو قوة، وصفات كثيرة في آيات أخرى؛ رداً على من قال: إن الذي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي شيطان، فالله مدح جبريل لكي تبعد هذه التهمة ويذاد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا على سبيل التنقيص ممن ألقي إليه الوحي، فهو مقابل قول القائلين: إنما يلقنه شيطان. والمشركون لهم قولان: الأول: أن محمداً صلى الله عليه وسلم مفترٍ كما قال الله عنهم أنهم ((قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ))[النحل:101] و((قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْمُسَحَّرِينَ))[الشعراء:153] فاللوم يتوجه فيها إلى شخص محمد صلى الله عليه وسلم. والقول الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق وأمين وفاضل -وإن لم ينطقوا بذلك- ولكن الخطأ أتى من الشياطين التي ألقت إليه هذا، وأن الشياطين تنزلت به عليه، فعندما يكون الموطن موطن دفع شبهة أن الشياطين هي التي تلقيه عليه يكون الثناء على الملك، وعندما يكون الموطن في دفع الشبهه عمن قيل عنه: إنه مفتر أو كذاب؛ يأتي الكلام ببيان صدقه صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يفتر ذلك، وأن الله قادر على الرد عليه، كما قال: ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ))[الحاقة:44] * ((لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ))[الحاقة:45] ((ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ))[الحاقة:46] .. وقوله: ((فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ))[يونس:16] ... ولا يعني هذا أن يطلق القول بأن جبريل كان خادماً للنبي.. بل جبريل رسول ملكي ومحمد رسول بشري.
    ويضاد هذا القول لو قيل: إنه كان يلقى إليه الوحي، وكان يعرض عليه أن يقاتل معه هو والملائكة، لو قيل: هذه الأحوال لجبريل تدل على أنه كان خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم، فيقال: "ومنه أن الله جعل الملائكة رسلاً إلى الأنبياء وسفراء بينهم وبينه، وهذا الكلام قد اعتل به من قال: إن الملائكة أفضل، واستدلالهم به أقوى" نقول: أليس المرسل أفضل من المرسل إليه في البشر؟ فالرسل صلى الله عليهم وعلى نبينا وسلم أفضل من جميع البشر المرسل إليهم فكيف تقولون: إن جبريل مفضول وأنه كان خادماً لمحمد صلى الله عليه وسلم، والقاعدة أن المرسل أفضل من المرسل إليه؟! فالمرسلون من الملائكة كجبريل أمين الوحي أفضل من الرسل؛ لأنه أخذ الوحي مباشرة من الله، وليس المقصود الآن أن نرجح لكن المقصود أن كلام الشيخ بأن الاستدلال بهذه المسألة في ذاتها بهذا الدليل أقوى لمن يقول بتفضيل الملائكة نظراً لاطراد القاعدة العقلية: أن المرسل أفضل من المرسل إليه.
  7. مدى صحة القول بأن الملائكة خدام بني آدم

    يقول: [أو أن بعض الملائكة خدام لبني آدم. يعنون الملائكة الموكلين بالبشر] والصوفية كثيراً ما تقول: إن الملائكة يخدمون الولي، ولو قال لألف ملك أن يأتوا الآن لأتوا، أو اذهبوا بهذا لذهبوا به، ومن هنا لبس السحرة والكهان على الناس، وهل وجدت ساحراً يقول أنه ساحر؟ أو من يذهب للدجالين والكهان يقول: ذهبنا إلى كاهن وأعطانا دواء؟ لا. لكن ذهبنا إلى ولي تخدمه الملائكة فوصف لنا هذا الدواء، والخدام من الملائكة أتوا به وشيء أتت به الملائكة ليس فيه شك، لكن الحقيقة أن هؤلاء ليسوا ملائكة بل هم شياطين، ولذلك فإن شيخ الإسلام عندما قال له بعض الجهال وهو في دمشق : إن أناساً على الثغور في أنطاكيا وطرسوس استغاثوا بك فأغثتهم. قال: لا. هؤلاء شياطين تشبهوا بصورتي. لكنهم من جهلهم يصرون على أنه شيخ الإسلام فقالوا: لعل هؤلاء ملائكة أرادوا أن يخدموك ويخدموا أولئك الصالحين فتشبهوا بك! فقال لهم: لا؛ إن الملائكة لا تكذب، ولا تكذب إلا الشياطين كما قال الله: ((تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ))[الشعراء:222]* ((يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ))[الشعراء:223] فالسحرة عندما يقولون: إن الملائكة تخدمنا. فقد كذبوا، إذ ليسوا بملائكة بل هم من الشياطين كما قال الله عنهم: ((رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ))[الأنعام:128] أي: تخدمونهم ويخدمونكم، ((ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا))[العنكبوت:25].
    يقول: [ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع المجانبة للأدب] لكن لا يمتنع أن يقال: إن الملائكة يخدمون بني آدم في الجنة، فهم يعطونهم ما يريدون، ومن كمال النعيم أن الملائكة تخدمهم ولهذا يقول شيخ الإسلام في (4/ 372) من مجموع الفتاوى : "الدليل الثالث عشر: ... وأيضاً فإنا إنما تكلمنا في تفضيل صالحي البشر إذا كملوا ووصلوا إلى غايتهم وأقصى نهايتهم، وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة، ونالوا الزلفى، وسكنوا الدرجات العلى، وحياهم الرحمن وخصهم بمزيد قربه، وتجلى لهم يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وقامت الملائكة في خدمتهم بإذن ربهم" واستمر إلى أن ذكر ما أعده الله في جنة عدن، وأنه تعالى خلقها وغرسها بيده، ولم يُطْلع على ما فيها ملكاً مقرباً ولا بنياً مرسلاً، وقال لها: تكلمي. فقالت: قد أفلح المؤمنون، وتجدون هذه الآثار والأحاديث في تفسير ابن كثير عند شرحه لأول سورة المؤمنون، فيقول: "فهذه كرامة الله لعباده المؤمنين التي لم يطلع عليها أحد من الملائكة، ومعلوم أن الأعلين مطلعون على الأسفلين من غير عكس..." إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
    ثم ذكر القاعدة العظيمة التي يحتاج إليها الناس، ولو فطن لها أهل الأهواء والبدع وسائر المذاهب لما تفرقوا واختلفوا، قال: "والتفضيل إذا كان على وجه التنقص أو الحمية والعصبية للجنس لا شك في رده" أي: أن كثيراً من الناس يفضلون: إما تنقصاً، أو حمية، أو عصبية -حتى وإن كان في الملائكة- فيأتي من يتعصب للملائكة، فيقابله من يتعصب للأنبياء، ويأتي آخر يتعصب للشافعي فيقابله من يتعصب لـأبي حنيفة فتشتد المسألة، ويأتي من يتعصب لـمعاوية ويقابله من يتعصب لـعلي وهكذا. فالتعصب -وإن كان لمن فيهم خير وحق- مذموم، وهو أكثر ذماً إذا كان على العصبية المحضة كما حدث بين قبائل قيس وقبائل اليمن إذ تعطلت الفتوحات بسبب العصبية بين قيس واليمن في فتوحات قتيبة بن مسلم الباهلي القائد العظيم الذي أقسم ليطأن أرض الصين، فأرسل إليه ملك الصين : سندفع لك الجزية على أن لا تطأ أرضنا. فقال: لا. فأرسل له بتراب من تراب الصين وقام عليه فوطئه، ومن أسباب توقف الجهاد في المشرق الحمية والعصبية، وفي المغرب عندما توغل عبد الرحمن الغافقي إلى بواتيه قريب من باريس ثارت الحمية والعصبية وأصبحت من أسباب تعطيل الجهاد، بل الهزائم في المعارك التي دارت بين القيسيين وبين اليمانيين، ولما جيء إلى شيخ الإسلام وقيل له: إن القيسيين واليمانيين قد اقتتلوا، ويذكر رحمه الله أنه قتل ألفان من بني تميم -عرب الجنوب- وقيس -عرب الشمال- فاستشير شيخ الإسلام كما في التعازير قال: "فقلت: يؤخذ أسباب الفتنة الكبار" فكانوا مائة شخص، فأفتى بقتلهم جميعاً. وهذا هو الصحيح؛ مائة شخص يقتلوا لكن النتيجة أن تسلم القبائل من الفتنة والحروب فهؤلاء الذين يثيرون العصبية يجوز للحاكم أن يقتلهم تعزيراً لأن إثارة العصبيات ينتج عنها الكثير من القتلى، وبقتل الرءوس يرتدع الناس عن إثارة الحمية والعصبية.
    فالعصبية تفرق الأمة، ولاشك أن القلوب تمرض، ويكفي في مرضها ما ينشئه الجدل من الحنق والغيظ والكراهية والتشفي، الذي يؤدي إلى موت القلب وعدم ارتباطه بالله تعالى، وعدم رقته لذكر الله، فهذا مما يدعو إلى تقليل الكلام في هذه المسألة، أما المأخذ العلمي المجرد لها فهذا ما سيعرضه رحمه الله.
  8. المفاضلة بين الرسل والأنبياء

    قال: [وليست هذه المسألة نظير المفاضلة بين الأنبياء] عندما يأتي شخص يقول: لا مفاضلة بين الملائكة والنبيين لأنها مثل المفاضلة بين الأنبياء فيما بينهم لقوله صلى الله عليه وسلم: {لا تفضلوني على موسى} وقوله: {لا تفضلوني على يونس} فبعض أهل البدع فهم منها هذا، فمنهم من يقول: لا تفضل بعض النبيين على بعض، ولا تفضل بعض القرآن على بعض؛ لأن الأنبياء كلهم رسل الله وأنبياؤه، والقرآن كله كلام الله. وبعض الناس يقول: كنت أظن بعض الأنبياء أفضل وبعض الآيات أفضل. فيتوب في نظرهم، وهذا من القول على الله بغير علم، وسببها يرجع إلى المذاهب الباطلة.
    نقول: أما الرسل فإن الله قد نص على التفضيل بينهم، قال تعالى: ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ))[البقرة:253] .. وقال تعالى: ((وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ))[الإسراء:55] والقرآن فيه تفضيل سورة الفاتحة والإخلاص والكافرون والأنعام وآية الكرسي والآيات من آخر البقرة على غيرها.. وسبب الأفضلية: أن فيها إخباراً عن الله، وعما يتعلق بتعريف الخلق برب العالمين وبصفاته وحقه على عباده، أما القصص فهو بيان لحال من اتبع أو خالف، والإخبار عن الجنة والنار لبيان عاقبة المطيعين والمخالفين لهذا الأصل الذي هو معرفة الله، ولهذا كانت آية الكرسي وآيات سورة الإخلاص والفاتحة آيات تعريف وتحميد وتمجيد وحق لله محض وهو إياك نعبد وإياك نستعين، ودعاء ...
    والتفضيل بين الأنبياء وارد، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تفضلوني على موسى} فله عدة أوجه: منها: أن لا يكون من باب العصبية، أو أنه كان قبل أن يعلم صلى الله عليه وسلم أنه أفضل الأنبياء، ومما لا شك فيه أنه صلى الله عليه وسلم عندنا أفضل من كل الأنبياء وكل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
  9. الحجة المعتبرة هي رجحان الدليل

    يقول: [والمعتبر رجحان الدليل] ففي أي قضية المعتبر هو رجحان الدليل، ولو كان مع من هو أجهل أو أقل علماً منك، [ولا يهجر القول لأن بعض أهل الأهواء وافق عليه] هذا من كمال العدل ((وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى))[الأنعام:152] ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ))[المائدة:8] فنحن أهل السنة إن اختلفنا في مسألة على قولين، وأتى شخص فقال: قولكم يوافق قول الرافضة فهل هذا مردود؟ نقول: لا. ليس هذا بحجة، فالعبرة والحجة هي رجحان الدليل وإن وافق عليه أهل البدع، وفي هذه المسألة طرفان متقابلان: المعتزلة الذين يرجحون تفضيل الملائكة، والصوفية الذين يفضلون الأولياء، فلا يخلو أهل السنة من أنهم إما أن يوافقوا المعتزلة أو الصوفية، فلا يأتي من يقول: أنتم وافقتم الصوفية، أو أنتم وافقتم المعتزلة فلا ينظر إلى هذا، وإنما إلى رجحان الدليل.
    أما ما أحدثه أهل الأهواء مما لا دليل فيه فيكفي أن تقول فيه: هذا قول الرافضة أو الصوفية ... إلى آخره؛ لأن هذا من محدثاتهم.
    يقول: "والمعتبر رجحان الدليل، ولا يهجر الدليل؛ لأن بعض أهل الأهواء وافق عليه بعد أن تكون المسألة مختلفاً فيها بين أهل السنة، وقد كان أبو حنيفة رحمه الله عنه يقول أولاً بتفضيل الملائكة على البشر، ثم قال بعكسه، والظاهر أن القول بالتوقف أحد أقواله" فالإمام أبو حنيفة ذكر عنه أن قال بتفضيل الملائكة، وقال: بتفضيل البشر، وقال بالتوقف ولا يوجد لدينا ما يثبت الترتيب الزمني لأقواله، وهذا يدل كما قلنا على كمال علمهم، ووجوب الاقتداء بهم في التأدب والتورع في العلم.
    قال: [والأدلة في هذه المسألة من الجانبين إنما تدل على الفضل لا على الأفضلية، ولا نزاع في ذلك] أي عندنا دليل يدل على أن هذا أفضل، ودليل يدل على أن هذا فاضل، فبين المصنف أن الأدلة التي أتى بها الطرفان إنما تدل على الفضل، فمثلاً قوله تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا))[الإسراء:70] وقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ))[البينة:7] هذه من الأدلة التي يذكرها من يفضل صالحي البشر على الملائكة، فنقول له: هل هذه تدل على أنهم أفضل أم على أن لهم فضلاً؟ قال: (تدل على الفضل لا على الأفضلية)؛ لأن الفضل لا نزاع فيه، وإنما النزاع في الأفضلية على الملائكة، وكذلك من يقول: ((بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ))[الأنبياء:26] * ((لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ))[الأنبياء:27] .. ((كِرَامًا كَاتِبِينَ))[الانفطار:11] .. ((يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ))[الأنبياء:20] نقول له: هذه الآيات تدل على فضل الملائكة لا على أنهم أفضل من بني آدم، وهذه فعلاً من جوامع الاستنباط، وعندما نعرض الأدلة سنرى أنها دائرة بين هذا وبين ذاك.
    ثم قال: "وللشيخ تاج الدين الفزاري رحمه الله مصنف سماه الإشارة في البشارة في تفضيل البشر على الملك" ولم أبحث عن ترجمة لـتاج الدين هذا، والمهم أنه يقول في كتابه: [اعلم أن هذه المسألة من بدع علم الكلام التي لم يتكلم فيها الصدر الأول من الأمة ولا من بعدهم من أعلام الأئمة..] وهذا كلام خاطئ؛ لأنها مسألة أثرية سلفية صحابية، بل فيها أحاديث تأتي كحديث عبد الله بن سلام وحديث ابن عمرو، والكلام فيها وارد، وشيخ الإسلام يقول في آخر (ص 369): "وأقل ما في هذه الآثار: أن السلف الأولين كانوا يتناقلون بينهم: أن صالحي البشر أفضل من الملائكة من غير نكير منهم لذلك، ولم يخالف أحد منهم في ذلك" ثم قال: وذكر الحديث مرفوعاً كما تقدم موقوفاً عن زيد بن أسلم قال شيخ الإسلام: وزيد بن أسلم زيدٌ في علمه وفقهه وورعه، وكان علي بن الحسين يدع مجالس قومه فيأتي مجلسه فلامه الزهري في ذلك" انظروا كيف كان السلف يتطيبون المجالس ويتخيرون ما يسمعون وما يقرءون "فقال: إنما يُجلس حيث ينتفع، أو قال: حيث يجد صلاح قلبه. وقد كان يحضر مجلسه نحو أربعمائة طالب للعلم، أدنى خصلة فيهم الباذل ما في يده من الدنيا، ولا يستأثر بعضهم على بعض" هؤلاء هم طلبة العلم فعلاً "فلا يقول مثل هذا القول إلا عن بينة والكذب على الله عز وجل أعظم من الكذب على رسوله"؛ لأن الحديث فيه: {فقال الله: لا أجعل صالح من خلقته بيدي كمن قلت له: كن فيكون} فالحديث إن قيل فيه: قال الله، قلنا: ليس هذا حديثاً مرفوعاً من كلام رسول الله فحسب؛ بل هو حديث قدسي، فيكون الأمر فيه أغلظ؛ لأن الكذب على الله أعظم، فالمهم أنه لو كان موقوفاً فإن السلف كانوا يتناقلونه فيما بينهم ويتحدثون به في موضوع التفضيل، فإن أتى تاج الدين أو أي شيخ وقال: هذه المسألة من بدع علم الكلام. نقول: لا. ليس الأمر كذلك بل هي أثرية سلفية صحابية كما قال شيخ الإسلام رحمه الله.